في لحظة غضبٍ واحدة قد تُنزل اليد مكان الكلام، وتتغير العلاقة بكلمة واحدة أو بجسدٍ واحد. الضرب ليس فقط تصرفًا مؤلمًا جسديًا؛ إنه رسالة خاطئة تُعلّم الآخرين — وخاصة الأطفال — أن القوة تُحلّ بها المشكلات. هل يمكن أن نتعلم أن نتحكّم في الغضب بطريقة تحفظ كرامتنا وكرامة من نحب؟ نعم — وبخطة عملية علمية ومُحترمة.
شرح علمي مبسّط
الضرب غالبًا ما يكون سلوكًا مُتعَلَّمًا أو استجابةً انفعالية فورية. علم النفس السلوكي يبيّن أن السلوك يتكرّر عندما يتلقّى تعزيزًا (مثل تهدئة فورية للموقف أو انتهاء الاحتكاك). بالمقابل، إذا توقّف التعزيز أو تم استبداله بردود فعل بديلة، يتناقص السلوك تدريجيًا. أيضًا، الجهاز العصبي لدينا — خاصةً جزء “الرد الفوري” (الجهاز الودي) — قد يسيطر في مواقف التهيّج، فنصبح أقل قدرة على التفكير المنطقي. لذا الخطة يجب أن تجمع بين: تقنيات تهدئة فورية، تعديل العواقب والتعزيز، وتعليم مهارات بديلة للتعبير عن الغضب.
أمثلة ومواقف من الحياة
-
أم تغضب عندما يصر ابنها على تكرار سلوك خطير فتصفعه: بعد الصفع يهدأ الصراع مؤقتًا، لكن الطفل يتعلّم أن الاضطراب يُردّ بالعنف. لاحقًا قد يقلّد هذا السلوك مع أصدقائه.
-
زوج يضرب بابًا أو يلوّح بيده أثناء شجار — السلوك يُخرِج توتره لكنه يكسر علاقة الأمان بينه وبين شريكته.
-
مدرس يصفع طالبًا أمام الجميع: ظهر أثر فوري في التوقف، لكن أثره الطويل أن الطالب يشعر بالخجل ويقل تقديره لذاته.
خطة عملية مُتدرِّجة لتعديل السلوك (خطوات قابلة للتطبيق)
1. التهيؤ والالتزام (قرار واعٍ)
-
اعترف أن الضرب مشكلة وتأثيرها طويل المدى. اكتب لنفسك: “سأوقف الضرب كوسيلة للتأديب أو التعبير عن الغضب”. هذا القرار هو نقطة البداية.
2. أدوات تهدئة فورية (استبدال الاستجابة)
-
استراتيجية التنفّس: عند تصاعد الغضب، أوقف نفسك 30-60 ثانية: خذ 6 نفسات عميقة وبطئ الإخراج (تقنية التنفّس 6-4).
-
الانفصال المؤقّت: ابتعد جسديًا (مثلاً غادر الغرفة لدقيقة) أو ضع مسافة آمنة بينك وبين الطرف الآخر.
-
عبارات مرنة: احفظ جملة قصيرة تقولها عند الغضب: “هحاول أهدأ قبل ما أتكلم” — هذه العبارة تذكّر عقلك بالتحكم.
3. وضع قواعد وعواقب ثابتة (الاستمرارية مهمة)
-
قواعد واضحة: حدِّد قواعد في البيت أو الصف: “لا ضرب، نتحدّث”. اجعل الجميع يعرف النتيجة.
-
عواقب مناسبة وغير مهينة: بدلًا من العقاب الجسدي، استخدم سحب امتياز مؤقت (مثلاً: فقدان وقت شاشة 24 ساعة) أو إعادة بناء (مهمة لإصلاح الخطأ مثل الاعتذار أو مساعدة من تأذى).
4. التعزيز الإيجابي للسلوك البديل
-
امدح واثنِ فورًا عندما يُستخدم سلوك بديل (مثلاً: “حلو إنك طلبت توقف بدل ما تضرب”). التعزيز الفوري يجعل السلوك الجيد يتكرر.
5. التعلم والتدريب على مهارات السيطرة والتواصل
-
علّم وعلّم نفسك مهارات حل النزاع، التعبير بالكلام عن المشاعر (“أنا زعلان/منزعج لأن…”) وتقنيات حل المشكلات خطوة بخطوة. استخدم لعب أدوار مع الأطفال أو جلسات مصغرة مع الشريك لتدريب هذه المهارات.
6. طلب الدعم المهني عند الحاجة
-
إذا كان النزعة للعنف متكررة أو مرتبطة بتاريخ إساءة أو غضب لا يُضبط، فاستشر أخصائي نفسي أو معالج سلوكي. العلاج يمكن أن يقدّم أدوات فعّالة للتحكم الغضب والوقاية من العود.
نصائح عملية قصيرة (3–5 نقاط)
-
التوقّف قبل الفعل: علّم نفسك قاعدة “5 ثوانٍ” — قبل أي تصرف جسدي وقف وفكّر.
-
استبدال الألم بالتعلم: حين ترتكب خطأً وتضرب، اعمل فورًا على تصحيح الخطأ — اعتذار، شرح للطرف الآخر، وتعويض عملي.
-
تثبيت روتين هادئ يومي: نوم كافٍ، تناول طعام متوازن، وممارسة بسيطّة يومية (مشية 15 دقيقة) تقلّل من سرعة الانفعال.
-
نموذج التعلّم: تذكّر أن الأطفال يراقبونك؛ كن النموذج الذي تريد أن يحتذي به طفلك يومًا ما.
-
سجل التقدّم: دوّن المواقف التي تحبَّبت فيها بضبط النفس — هذا يعزز الدافعية ويُحسّن الوعي الذاتي.
خاتمة
التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها، لكنه يبدأ بخطوة صغيرة: قرار واعٍ، نفس عميق، وكلمة طيبة تُمنع بها يدٌ عن الإيذاء. عندما تختار أن تُعلّم بصمتك للآخرين بدلاً من أذيتهم، تبني بيئة أمان ونمو — لنفسك ولمن حولك. تذكّر: الشجاعة الحقيقية ليست في أن تُمسك اليد لتؤذي، بل في أن ترفعها لتدعّم، تحتضن، وتعلّم. إذا أردت، أرسل لي موقفًا واجهته وسأساعدك أكتب خطة تطبيقية مخصّصة له.
اترك تعليقاً